بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة في كتب الأديب الكاتب/ مصطفى لطفي المنفلوطي ـ رحمه الله ـ
1ـ كتاب النظرات:ـ مضمون الكتاب جليٌّ من اسمه فقد تحدث فيه عن أشياء تنبو عن المشاهدة والإحساس والتأمل والدقة، وساق قَصصاً وشواهد تدل على ما يقول، وصاغها بأسلوب الكاتب المعهود .
2ـ كتاب العـبرات:ـ هو شبيهٌ بكتاب النظرات، لكنه ركز فيه على مكارم الأخلاق، وحسن المعاملة، وكتاباتُه التي ضمها هذا الكتاب توحي بالدعوة إلى ما يقول ويكتب .
3ـ كتاب الفضيلة:ـ صاغه على شكل رواية تتحدث عن الشجاعة والإقدام والمُثُل العـالية، كالأدب والحياء، واعتبر شجاعة الفتى ملاكَ أخلاقه كلها، وحياء الفتاةِ جمالها الذي لا جمال لها سواه، وهذا رأيٌ للكاتب أبداه .
وأهدى هذه الرواية إلى فتيان مصر وفتياتها، وعلل ذلك بأن يستفيد الكلَُ الصفةَ التي يحب أن يراها ، وجعل الرواية تدور على شخصيتي (بول وفرجيني) حيث أوردهما في الكتاب على شكل مراحل لاستيعاب القصة فمثلاً: بدأ أولاً بـ (جزيرة موريس) وعرّف بها، وما رُئي فيها من مشاهد لافتة كقوله: " ويرى الأرض المحيطة بهما مختلفة الألون ما بين سوداء وخضراء وصفراء مختلفة السطوح، ما بين أنجادٍ وأغوار وأحافير وأخاديد ومنعـرجات..." ص:17 .
ثم انتقل إلى (الشيخ) حيث قال في وصفه: " إذ مر بي شيخٌ هرمٌ من سكان تلك الجزيرة قد نيّف على السبعـين من عمره، يعتمد على عصاً عجراء في يده..." ص:20 . ثم وصف حاله، وبعد وصفٍ لمراحل شتى انتقل إلى (حياة الطفولة) فقال:" ولم أر فيما رأيتُ من عجائب الأشياء وغرائبها أغربَ من تلك الصلة التي كانت بين هذين الطفلين ..." إلى أن قال: " فإذا شكا بول شكت فرجيني لشكاته .." ص:37 . وهكذا طريقة الكتاب إلى نهايته . وأنصح من يريد أن يكتسب الأسلوب الحسن بقراءته .
4ـ الشاعـر:ـ صاغه قصةً (لشاعرٍ فرنسي من شعراء القرن السابع عشر نشأ غريباً في أطواره وأخلاقه، متفرداً بصفاتٍ قلّ أن تجتمع لأحدٍ من معـاصريه، فكان جامعاً من الشجاعة إلى درجة التهور، والخجل إلى درجة الضعف ...) (انظر ص:9). وهكذا كان الكتاب مجالاً للحديث عن شخصية هذا الشاعر .
5ـ مختارات المنفلوطي:ـ قال في الصفحات الأولى من الكتاب: (الهاوية) " ما أكثر أيام الحياة وأقلها!" حيث بدأ بكلامٍ يجذب القارئ، " لم أعش من تلك الأعوام الطوال التي عشتُها إلا عاماً وحداً مر بي كما يمر النجم الدهري في سماء الدنيا ليلة واحدةً ثم لا يراه الناس بعد ذلك" ص:9 .وقال في النهاية: " وحسبك من السعادة في الدنيا ضميرٌ نقي، ونفسٌ هادئة، وقلبٌ شريفٌ، وأن تعمل بيدك فترى بعينك ثمراتِ مجهودك " ص:158. قلتُ: ويا له من مجربٍ صادقٍ ذاق مرارة الدنيا، واستنتج خلاصتَها .
وقال أيضاً يصف (قتيلةَ الجوع) وهي امرأةٌ ذهبت إلى جبل المقطم من الجوع، لم تجد من يطعمها من الناس: " لِمَ ذهبت هذه البائسة المسكينةُ إلى الجبل في ساعتها الأخيرة؟ لعلها ظنّت أن الصخرةَ ألينُ قلباً من الإنسان فذهبت إليه تبثه شكواها، أو أن الوحوش أقربُ منه رحمةً فجاءته تستمنحه فضلة طعام، وأحسب لو أن الصخر فهم شكواها لأشكاها، ولو أن الوحشَ ألمَّ بسريرة نفسها لرثى لها وحنَّ عليها؛ لأني لا أعرف مخلوقاً على وجه الأرض يستطيع أن يملك نفسه ودموعه أمام مشهد الجوع وعذابه غيرَ الإنسان ..." اهـ ص:159.
قلتُ: وأنا أقرأ كلام المنفلوطي هذا الذي يلوم فيه الإنسان على قسوته تذكرتُ قصيدةً كنتُ قرأتُها سابقاً لخير الدين الزركلي بعنوان (غريق بيروت) وهي موجودةٌ في ديوانه ص: 193 رثى فيها رجلاً ذا أسرةٍ مؤلفةٍ من ثمانية أشخاص، عجز عن إعاشتهم فألقى بنفسه في البحر تخلصاً من الحياة فمات، ورثاه الزركلي في الحال فقال:
ما بال بيروتَ لا تبكي العيون بها دماً وتضطربُ الأكبادُ من ألم
قضى شهيدَ صغارٍ لا نصيرَ لهم ولا مغيث فأبكى مقلة القلم
ثم قال:غريقَ بيروتَ أبكيت القلوبَ أسى لا عاش بعدك في الأحياءِ ذو النعمِ
ويقول الزركلي مخاطباً إياه بأن البحر لم يقتله، إنما قتله طمعُ الأغنياء:ما كان قاتلك البحر الخضم ولا أودى بشخصك موجٌ شامخ القمم
لكن رمتك بشرٍّ قد دهيتَ به أطماع معشر سوءٍ حائف نهم
لو أن في موسرينا رحمة قشعوا عن الفقير حجاباً دائم الظلم
هم أحرزوا قوته مستأثرين به وخلفوه من الإملاق في ضرم
وكل نفسٍ ستجزى بالذي كسبت الحيفُ بالحيفِ والأنداء بالديم
إلى آخر تلك القصيدة المحزنة المبكية ...
6ـ في سبيل التاج:ـ روايةٌ صاغها دلالةً على الشجاعة والبطولة والإنسانية واحترام الآخرين ومن سقط ملكُه وأصبح في قبضة عدوه . انظر ص:5 .
ــ ولم يتسنى لي تلخيص (كتاب مجدولين) بعد قراءته لانشغالي لعل الله أن ييسر ذلك .
ـ نتيجة قراءتي هذه الكتب:ـ استفدتُ من خلال أسلوب الكاتب أن القصة أو أي كتابةٍ أخرى فيها بثٌ للمشاعر لابد أن تنبع من القلب؛ لتكون أبعد تأثيراً على القارئ أو السامع، فالشخص إذا حزن وتألم وأبدى ذلك من خلال تصوير أحداث شعر الناس بشعوره وربما أقروه والله الموفق .
ـ ملحوظة:ـ كل الطبعات ــــ دار الجيل ــ لبنان ـ بيروت ـــــــــ .
قراءة في كتب الأديب الكاتب/ مصطفى لطفي المنفلوطي ـ رحمه الله ـ
1ـ كتاب النظرات:ـ مضمون الكتاب جليٌّ من اسمه فقد تحدث فيه عن أشياء تنبو عن المشاهدة والإحساس والتأمل والدقة، وساق قَصصاً وشواهد تدل على ما يقول، وصاغها بأسلوب الكاتب المعهود .
2ـ كتاب العـبرات:ـ هو شبيهٌ بكتاب النظرات، لكنه ركز فيه على مكارم الأخلاق، وحسن المعاملة، وكتاباتُه التي ضمها هذا الكتاب توحي بالدعوة إلى ما يقول ويكتب .
3ـ كتاب الفضيلة:ـ صاغه على شكل رواية تتحدث عن الشجاعة والإقدام والمُثُل العـالية، كالأدب والحياء، واعتبر شجاعة الفتى ملاكَ أخلاقه كلها، وحياء الفتاةِ جمالها الذي لا جمال لها سواه، وهذا رأيٌ للكاتب أبداه .
وأهدى هذه الرواية إلى فتيان مصر وفتياتها، وعلل ذلك بأن يستفيد الكلَُ الصفةَ التي يحب أن يراها ، وجعل الرواية تدور على شخصيتي (بول وفرجيني) حيث أوردهما في الكتاب على شكل مراحل لاستيعاب القصة فمثلاً: بدأ أولاً بـ (جزيرة موريس) وعرّف بها، وما رُئي فيها من مشاهد لافتة كقوله: " ويرى الأرض المحيطة بهما مختلفة الألون ما بين سوداء وخضراء وصفراء مختلفة السطوح، ما بين أنجادٍ وأغوار وأحافير وأخاديد ومنعـرجات..." ص:17 .
ثم انتقل إلى (الشيخ) حيث قال في وصفه: " إذ مر بي شيخٌ هرمٌ من سكان تلك الجزيرة قد نيّف على السبعـين من عمره، يعتمد على عصاً عجراء في يده..." ص:20 . ثم وصف حاله، وبعد وصفٍ لمراحل شتى انتقل إلى (حياة الطفولة) فقال:" ولم أر فيما رأيتُ من عجائب الأشياء وغرائبها أغربَ من تلك الصلة التي كانت بين هذين الطفلين ..." إلى أن قال: " فإذا شكا بول شكت فرجيني لشكاته .." ص:37 . وهكذا طريقة الكتاب إلى نهايته . وأنصح من يريد أن يكتسب الأسلوب الحسن بقراءته .
4ـ الشاعـر:ـ صاغه قصةً (لشاعرٍ فرنسي من شعراء القرن السابع عشر نشأ غريباً في أطواره وأخلاقه، متفرداً بصفاتٍ قلّ أن تجتمع لأحدٍ من معـاصريه، فكان جامعاً من الشجاعة إلى درجة التهور، والخجل إلى درجة الضعف ...) (انظر ص:9). وهكذا كان الكتاب مجالاً للحديث عن شخصية هذا الشاعر .
5ـ مختارات المنفلوطي:ـ قال في الصفحات الأولى من الكتاب: (الهاوية) " ما أكثر أيام الحياة وأقلها!" حيث بدأ بكلامٍ يجذب القارئ، " لم أعش من تلك الأعوام الطوال التي عشتُها إلا عاماً وحداً مر بي كما يمر النجم الدهري في سماء الدنيا ليلة واحدةً ثم لا يراه الناس بعد ذلك" ص:9 .وقال في النهاية: " وحسبك من السعادة في الدنيا ضميرٌ نقي، ونفسٌ هادئة، وقلبٌ شريفٌ، وأن تعمل بيدك فترى بعينك ثمراتِ مجهودك " ص:158. قلتُ: ويا له من مجربٍ صادقٍ ذاق مرارة الدنيا، واستنتج خلاصتَها .
وقال أيضاً يصف (قتيلةَ الجوع) وهي امرأةٌ ذهبت إلى جبل المقطم من الجوع، لم تجد من يطعمها من الناس: " لِمَ ذهبت هذه البائسة المسكينةُ إلى الجبل في ساعتها الأخيرة؟ لعلها ظنّت أن الصخرةَ ألينُ قلباً من الإنسان فذهبت إليه تبثه شكواها، أو أن الوحوش أقربُ منه رحمةً فجاءته تستمنحه فضلة طعام، وأحسب لو أن الصخر فهم شكواها لأشكاها، ولو أن الوحشَ ألمَّ بسريرة نفسها لرثى لها وحنَّ عليها؛ لأني لا أعرف مخلوقاً على وجه الأرض يستطيع أن يملك نفسه ودموعه أمام مشهد الجوع وعذابه غيرَ الإنسان ..." اهـ ص:159.
قلتُ: وأنا أقرأ كلام المنفلوطي هذا الذي يلوم فيه الإنسان على قسوته تذكرتُ قصيدةً كنتُ قرأتُها سابقاً لخير الدين الزركلي بعنوان (غريق بيروت) وهي موجودةٌ في ديوانه ص: 193 رثى فيها رجلاً ذا أسرةٍ مؤلفةٍ من ثمانية أشخاص، عجز عن إعاشتهم فألقى بنفسه في البحر تخلصاً من الحياة فمات، ورثاه الزركلي في الحال فقال:
ما بال بيروتَ لا تبكي العيون بها دماً وتضطربُ الأكبادُ من ألم
قضى شهيدَ صغارٍ لا نصيرَ لهم ولا مغيث فأبكى مقلة القلم
ثم قال:غريقَ بيروتَ أبكيت القلوبَ أسى لا عاش بعدك في الأحياءِ ذو النعمِ
ويقول الزركلي مخاطباً إياه بأن البحر لم يقتله، إنما قتله طمعُ الأغنياء:ما كان قاتلك البحر الخضم ولا أودى بشخصك موجٌ شامخ القمم
لكن رمتك بشرٍّ قد دهيتَ به أطماع معشر سوءٍ حائف نهم
لو أن في موسرينا رحمة قشعوا عن الفقير حجاباً دائم الظلم
هم أحرزوا قوته مستأثرين به وخلفوه من الإملاق في ضرم
وكل نفسٍ ستجزى بالذي كسبت الحيفُ بالحيفِ والأنداء بالديم
إلى آخر تلك القصيدة المحزنة المبكية ...
6ـ في سبيل التاج:ـ روايةٌ صاغها دلالةً على الشجاعة والبطولة والإنسانية واحترام الآخرين ومن سقط ملكُه وأصبح في قبضة عدوه . انظر ص:5 .
ــ ولم يتسنى لي تلخيص (كتاب مجدولين) بعد قراءته لانشغالي لعل الله أن ييسر ذلك .
ـ نتيجة قراءتي هذه الكتب:ـ استفدتُ من خلال أسلوب الكاتب أن القصة أو أي كتابةٍ أخرى فيها بثٌ للمشاعر لابد أن تنبع من القلب؛ لتكون أبعد تأثيراً على القارئ أو السامع، فالشخص إذا حزن وتألم وأبدى ذلك من خلال تصوير أحداث شعر الناس بشعوره وربما أقروه والله الموفق .
ـ ملحوظة:ـ كل الطبعات ــــ دار الجيل ــ لبنان ـ بيروت ـــــــــ .
التعليق