بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم و الرحمة
هــل يغيرنا المال؟
درج بحياتنا مثل يقول : الفلوس تغير النفوس
فهل فعلا يمكن للمال ان يغير شخصياتنا و يحدد علاقتنا، و يحكمنا عوض ان نحكمه؟
عندما يكون المال هو الغاية التي نتخد من اجلها كل الوسائل ستكون الاجابة : نعم
اما اذا كان المال وسيلة " فاعلة " للتحقيق اهدافنا من الحياة، اظن ان الاجابة ستكون قطعا لا.
و لان الافراد داخل نفس الاسرة نجدهم مختلفي الطبائع و الاتجاهات، يمنع ان نصدر احكام مطلقة تجمع الكل في سلة واحدة، فيصبح الجميع ضعاف النفوس و ماديين، فكثير من الناس لا تمثل لهم "الفلوس" سوى اوراق نقدية و شكل من اشكال الحضارة و مستجداتها من حيث التقنيات و الادوات التي يصبح الافراد يتعاملون بها.
في احدى المجلات العربية اجري تحقيق(*) حول نفس الموضوع، قدم فيه الدكتور محمد ابو العينين ( رئيس قسم الاجتماع في جامعة الامارات )، تحليلا نفسي اجتماعي لما قد نسميه بظاهرة: دور المال في تغيير انساق العلاقات الاجتماعية.
حيث قال :
" منذ فجر التاريخ و الماديات تلعب دورا مؤثرا في حياة الانسان، فالاقتصاد كما يرى الكثيرون، هو عصب الحياة. لكننا بدأنا نلاحظ في الآونة الاخيرة تغلب المادة على كل شيء آخر. اذ اصبحت "الفلوس" رمزا للكمانة الاجتماعية، و من ثم راحت تصبغ سلوكيات الناس و افعالهم. فبالفعل تغير الفلوس النفوس، فتنتج العديد من المشكلات ليس اقلها الحقد و الغيرة و التنافس غير الشريف. لقد تحولت الفلوس إلى غاية في الحد ذاتها، مع ان المفروض أنها مجرد وسيلة للوصول إلى غاية او غايات.
ثقافة اليوم تفرض على الكثير منا السعي نحو الفلوس سعيا محموما، متخدين في ذلك أسبابا و طرق عدة، منها ما هو مشروع، و منها ما هو غير مشروع. و حينما نحصل على الفلوس تتغير نفوسنا فنشعر اننا امتلكنا اهم ما في الحياة، بينما نكون بالفعل قد فقدنا اهم ما في الحياة. نعم نكون قد امتلكنا اشياء نتباهى بها، كرصيد البنك و الفيللا الفخمة أو السيارة الفارهة أو الملابس الانقية ...، لكننا تحولنا الى كائنات مفرغة من العواطف و الاحاسيس و المشاعر نحو الاخر، الذي قد يملك مقدار ما نملك أو اقل أو أكثر او لا يملك شيئا على الاطلاق. إننا بذلك نكون قد قطعنا حبال الود و أواصر المحبة، و هدمنا جسور التواصل الانساني، لأن الماديات استغرقتنا و جعلتنا ننسى أن للحياة جوانب أخرى غير الماديات."
و من الاثار السلبية لتأثير الفلوس على النفوس: " التوجه الخطير نحو الفردية و الانانية و الابتعاد عن التعاون و التكاتف، فبدلا من ان ننظر الى المال باعتباره رزقا حبانا الله سبحانه و تعالى به، نفهمه باعتباره نتيجة جهد فردي ليس من حق الآخر أن يشاركنا فيه.
إن تعغير النفوس على هذا النحو له آثار مدمرة في الحياة الاجتماعية، و شبكة هذه العلاقات. لقد جعلت الفلوس الآباء و الأمهات يأخذون أبناءهم إلى المحاكم، و جعلت الأزواج يقاضون الزوجات و الزوجات يقاضين الازواج، و الاخوة يشتكون بعضهم بعضا، بل الأدهى من ذلك، ما نقرأه في صفحات الحوادث من ضرب و قتل و سرقات و تزوير و اختلاس بسبب الفلوس. هنا، تختفي قيم الاسرة و التلاحم الاجتماعي و الشرف و الامانة، و تحل محلها قيم الخيانة و الغدر و الكسب غير المشروع. فالولع بالمال و جمعه بأي وسيلة يعميان الكثيرين عن أشياء مهمة في الحياة، لا علاقة لها بالمال. إنك لا تستطيع شراء السعادة بالمال. و لا تستطيع تحقيق الأمن النفسي و الاجتماعي بالمال فقط،.
و الكلام السابق كله لا يعني بأي حال من الأحوال التقليل من شأن الفلوس، فهي عصب الحياة الحديثة، لكن العبرة كلها في كيفية الحصول على المال و كيفية توظيفه التوظيف الصحيح، ليعود على صاحبه بالسعادة الحقيقية و ليس بالسعادة الزائفة(...). النفوس الضعيفة فقط هي التي يغريها المال و يجعلها تغير القيم التي نشأت عليها. و هناك دراسات في علم الاجتماع عن فئة الاغنياء الجدد (أو من يقال عنهم انهم محدثو النعمة) و ما يقومون به من افعال، لأنهم حصلوا على المال بطرق سهلة، مثل تجارة الممنوعات، أو عبر الفن الهابط أو بطرق غير مشروعة."
و قد ختم الدكتور كلامه في هذا التحقيق بالاشارة إلى دور التنشئة الاجتماعية في هذا الصدد : " إذ ينبغي ان يتربى النشء على القناعة، التي هي كنز لا يفنى، و ينبغي ان يتعلموا كيف يكسبون الأموال بجدهم و اجتهادهم، و كيف ينفقون منها على انفسهم و من يتولون أمرهم من دون إسراف او تقتير. و على الجميع أن يعرفوا أن الفلوس لا تصنع مكانة الفرد، فكم من أغنياء يحتقرهم المجتمع، و كم من الفقراء ينظر إليهم بكل تقدير و احترام. و كما نجد في ثراتنا العربي الأصيل، فإن الغنى هو غنى النفس".
و انا في رأي البسيط جدا الفلوس لا تغير النفوس، إنما المال يكشف حقيقة النفوس، يظهر الوجه المخفي فينا.. حقيقة تعاطينا مع الحياة و نظرتنا لمن حولنا.. رغم كل ما قد تلعبه التنشئة
منقول
السلام عليكم و الرحمة
هــل يغيرنا المال؟
درج بحياتنا مثل يقول : الفلوس تغير النفوس
فهل فعلا يمكن للمال ان يغير شخصياتنا و يحدد علاقتنا، و يحكمنا عوض ان نحكمه؟
عندما يكون المال هو الغاية التي نتخد من اجلها كل الوسائل ستكون الاجابة : نعم
اما اذا كان المال وسيلة " فاعلة " للتحقيق اهدافنا من الحياة، اظن ان الاجابة ستكون قطعا لا.
و لان الافراد داخل نفس الاسرة نجدهم مختلفي الطبائع و الاتجاهات، يمنع ان نصدر احكام مطلقة تجمع الكل في سلة واحدة، فيصبح الجميع ضعاف النفوس و ماديين، فكثير من الناس لا تمثل لهم "الفلوس" سوى اوراق نقدية و شكل من اشكال الحضارة و مستجداتها من حيث التقنيات و الادوات التي يصبح الافراد يتعاملون بها.
في احدى المجلات العربية اجري تحقيق(*) حول نفس الموضوع، قدم فيه الدكتور محمد ابو العينين ( رئيس قسم الاجتماع في جامعة الامارات )، تحليلا نفسي اجتماعي لما قد نسميه بظاهرة: دور المال في تغيير انساق العلاقات الاجتماعية.
حيث قال :
" منذ فجر التاريخ و الماديات تلعب دورا مؤثرا في حياة الانسان، فالاقتصاد كما يرى الكثيرون، هو عصب الحياة. لكننا بدأنا نلاحظ في الآونة الاخيرة تغلب المادة على كل شيء آخر. اذ اصبحت "الفلوس" رمزا للكمانة الاجتماعية، و من ثم راحت تصبغ سلوكيات الناس و افعالهم. فبالفعل تغير الفلوس النفوس، فتنتج العديد من المشكلات ليس اقلها الحقد و الغيرة و التنافس غير الشريف. لقد تحولت الفلوس إلى غاية في الحد ذاتها، مع ان المفروض أنها مجرد وسيلة للوصول إلى غاية او غايات.
ثقافة اليوم تفرض على الكثير منا السعي نحو الفلوس سعيا محموما، متخدين في ذلك أسبابا و طرق عدة، منها ما هو مشروع، و منها ما هو غير مشروع. و حينما نحصل على الفلوس تتغير نفوسنا فنشعر اننا امتلكنا اهم ما في الحياة، بينما نكون بالفعل قد فقدنا اهم ما في الحياة. نعم نكون قد امتلكنا اشياء نتباهى بها، كرصيد البنك و الفيللا الفخمة أو السيارة الفارهة أو الملابس الانقية ...، لكننا تحولنا الى كائنات مفرغة من العواطف و الاحاسيس و المشاعر نحو الاخر، الذي قد يملك مقدار ما نملك أو اقل أو أكثر او لا يملك شيئا على الاطلاق. إننا بذلك نكون قد قطعنا حبال الود و أواصر المحبة، و هدمنا جسور التواصل الانساني، لأن الماديات استغرقتنا و جعلتنا ننسى أن للحياة جوانب أخرى غير الماديات."
و من الاثار السلبية لتأثير الفلوس على النفوس: " التوجه الخطير نحو الفردية و الانانية و الابتعاد عن التعاون و التكاتف، فبدلا من ان ننظر الى المال باعتباره رزقا حبانا الله سبحانه و تعالى به، نفهمه باعتباره نتيجة جهد فردي ليس من حق الآخر أن يشاركنا فيه.
إن تعغير النفوس على هذا النحو له آثار مدمرة في الحياة الاجتماعية، و شبكة هذه العلاقات. لقد جعلت الفلوس الآباء و الأمهات يأخذون أبناءهم إلى المحاكم، و جعلت الأزواج يقاضون الزوجات و الزوجات يقاضين الازواج، و الاخوة يشتكون بعضهم بعضا، بل الأدهى من ذلك، ما نقرأه في صفحات الحوادث من ضرب و قتل و سرقات و تزوير و اختلاس بسبب الفلوس. هنا، تختفي قيم الاسرة و التلاحم الاجتماعي و الشرف و الامانة، و تحل محلها قيم الخيانة و الغدر و الكسب غير المشروع. فالولع بالمال و جمعه بأي وسيلة يعميان الكثيرين عن أشياء مهمة في الحياة، لا علاقة لها بالمال. إنك لا تستطيع شراء السعادة بالمال. و لا تستطيع تحقيق الأمن النفسي و الاجتماعي بالمال فقط،.
و الكلام السابق كله لا يعني بأي حال من الأحوال التقليل من شأن الفلوس، فهي عصب الحياة الحديثة، لكن العبرة كلها في كيفية الحصول على المال و كيفية توظيفه التوظيف الصحيح، ليعود على صاحبه بالسعادة الحقيقية و ليس بالسعادة الزائفة(...). النفوس الضعيفة فقط هي التي يغريها المال و يجعلها تغير القيم التي نشأت عليها. و هناك دراسات في علم الاجتماع عن فئة الاغنياء الجدد (أو من يقال عنهم انهم محدثو النعمة) و ما يقومون به من افعال، لأنهم حصلوا على المال بطرق سهلة، مثل تجارة الممنوعات، أو عبر الفن الهابط أو بطرق غير مشروعة."
و قد ختم الدكتور كلامه في هذا التحقيق بالاشارة إلى دور التنشئة الاجتماعية في هذا الصدد : " إذ ينبغي ان يتربى النشء على القناعة، التي هي كنز لا يفنى، و ينبغي ان يتعلموا كيف يكسبون الأموال بجدهم و اجتهادهم، و كيف ينفقون منها على انفسهم و من يتولون أمرهم من دون إسراف او تقتير. و على الجميع أن يعرفوا أن الفلوس لا تصنع مكانة الفرد، فكم من أغنياء يحتقرهم المجتمع، و كم من الفقراء ينظر إليهم بكل تقدير و احترام. و كما نجد في ثراتنا العربي الأصيل، فإن الغنى هو غنى النفس".
و انا في رأي البسيط جدا الفلوس لا تغير النفوس، إنما المال يكشف حقيقة النفوس، يظهر الوجه المخفي فينا.. حقيقة تعاطينا مع الحياة و نظرتنا لمن حولنا.. رغم كل ما قد تلعبه التنشئة
منقول
التعليق