alardha blog bannar

Collapse

إعلان

Collapse
لا يوجد إعلانات حتى الآن.

KJA_adsense_ad5

Collapse

المتطرفون من الدفاع إلى الهجوم

Collapse
X
 
  • فرز
  • الوقت
  • عرض
Clear All
new posts

  • المتطرفون من الدفاع إلى الهجوم

    ما نراه الآن، هو أن التيار المتطرف وجد نفسه - بعد الاكتشاف الأخير - محاصرا، وأيقن أن ما انتهجه من مهادنة، ورفعه لشعارات ذات طابع تسامحي، لم يعد مجديا. لقد أيقن أنه في مرحلة: إما حياة وإما موت. لهذا بدا شرسا في مهاجمته لأعدائه، من مفكرين وإعلاميين.

    خلال السنوات الخمس الماضية، أُخِذَ المتطرفون على حين غفلة، وذلك عندما قام الجناح العسكري باستعجال المواجهة اضطرارا؛ بعدما تم اكتشاف الخلية الأولى في الرياض. الجناح غير العسكري للمتطرفين، لم يكن يتوقع، ولم يكن يريد، أن تتم المواجهة على هذا النحو من السرعة؛ لأن الإعداد للجهاد - في زعمهم - ما زال في مراحله الأولى، ومن الخطأ القيام بمواجهة مسلحة قبل الإعداد لها، وضمان مستوى معقول من التأييد الشعبي لها.
    تلك الضربة الاستباقية لإحدى خلايا الجناح العسكري للمتطرفين، جعلتهم في حال الذي قبض عليه متلبسا بالجرم المشهود. ولذلك اضطربوا. فبعضهم جزع إلى درجة أن أعلن الهجوم الفكري على التيار المتطرف، وأدعى الاعتدال والمواطنة. وبعضهم لزم الصمت؛ انتظارا لما تسفر عن الأحداث؛ خاصة وأنه يملك شيئا من الأمل في قدرة الجناح العسكري على تفجير الأمن الداخلي، وبعضهم الآخر بدأ يطرح فكرة الصلح بين المتطرفين والدولة؛ حرصا منه على أرواح مريديه، الذين بذل شطرا كبيرا من حياته في إعدادهم، وليس حرصا منه على الوطن، فالوطن - في تصوره - ليس إلا وثناً، ولا بد - في سبيل تقرير العقيدة الصحيحة الصافية! - من تحطيم الأوثان!.
    استمرت هذه التوجهات الثلاثة على طول فترة المواجهة السابقة مع الجناح العسكري للمتطرفين. ولأن المتطرفين في الجناح العسكري كانوا صريحين في الإفصاح عن المرتكزات الفكرية التي يتكئون عليها، وفي تحديد طبيعة المرجعيات الفكرية لهم، لم يكن أمام التيار المتطرف إلا أن يتخذ من التقية عقيدة مرحلة، ويكتفي بالدفاع عن نفسه، وأن علاقة منظومته الفكرية بالإرهاب علاقة شبهة؛ استغلها الإرهابيون، وليست علاقة تحقيق. ومن هنا بدأ يتجاهل مقولاته السابقة، ويدعي أنها كانت مقولات مرحلية؛ انتهت بانتهاء ظروفها.
    من جهة أخرى، فالذين تبرعوا بالوساطة - للمصالحة - بين الدولة والإرهابيين، بقدرما ظهروا وكأنهم حريصون على السلام الاجتماعي، وعلى منع أي نوع من الاحتراب الداخلي، فضحوا أنفسهم. سعيهم للمصالحة بقدرما يشي بحرص على السلام الداخلي؛ يؤكد - في الوقت نفسه - علاقتهم الوطيدة بالإرهاب/ الجناح العسكري للمتطرفين. قد يتعامل الأمني مع هذا الواقع لغاية براجماتية. لكن، هذا لا ينفي حقيقة أحد من السيف، وهي أن الإرهابيين لم يكونوا ليثقوا به، لولا أنه من داخل التيار ذاته؛ على الأقل في مستواه الفكري.
    لقد كان من المتعذر على الجناح السياسي/ الفكري للمتطرفين المحليين أن يبدأ بالهجوم، وأن يرفع صوته عاليا باتهام الآخرين. لقد كان يدرك وضعه الحرج جدا، كما يدرك درجة الحساسية الاجتماعية تجاه اللغة التكفيرية/ التصنيفية؛ جراء وقوع المجتمع تحت التهديد المباشر من قبل الإرهابيين. والمجتمع في هذه الحال؛ لم يكن لديه استعداد لسماع ما يذكي من نار التطرف التي أصابته على نحو مباشر. لكن، ذاكرة المجتمع الشفاهي قصيرة. فبمجرد تراجع العمليات الإرهابية، وانحسارها الظاهر، تراجعت تلك الحساسية تجاه أفكار التطرف والغلو، وأصبح بالإمكان ضخها في المجتمع من جديد.
    لقد كانت الوضعية التي وجد التيار المتطرف نفسه فيها؛ جراء العمليات الإرهابية، هي التي حدّت من تصريحه بقناعاته الأصلية التي لا يستطيع التخلي عنها، وإلا تخلى عن هويته. إن لغة التنازل عن المقولات السابقة، أو تجاهلها، والاكتفاء بلغة بين بين؛ تحتمل أكثر من معنى، جعلت التيار المتطرف يظهر طوال الفترة السابقة في حال الدفاع عن النفس. لكن، هذا الدفاع المضمخ بعبير التقية، لم يكن قاعدة، وإنما كان استثناء.
    وكما كانت الحال بعد حركة الإرهابي: جهيمان، عندما خفت صوت التطرف والغلو لسنتين أو ثلاث - لتغيب الواقعة عن الوجدان المباشر - ثم أعقب ذلك موجة حادة من التطرف الفكري الذي بدأ بالهجوم على مكونات المجتمع، وأقيمت - آنذاك - مجزرة الحداثيين، وأصبح التيار المتطرف، بعد عشر سنوات من واقعة الحرم، يكاد أن يستولي على المؤسسات المدنية كافة، فقد بدأ - الآن - التيار الفكري المتطرف في محاولة تشبه - إلى حد كبير - تلك الحال التي كانت في ثمانينيات القرن المنصرم.
    لكن، ما حدث مؤخرا من اكتشاف الخلايا الإرهابية التي بلغ عدد أفرادها (271) أربك الجناح الفكري/ السياسي للمتطرفين أيما إرباك. إن هذا العدد الضخم، ومستوى الاستعداد، وطبيعة الأهداف، تؤكد أن الفكر الإرهابي أشد توغلاً واتساعاً مما كان يتصوره المتشائمون، كما يؤكد أن الإرهاب لم ينته بعد، وأن الحرب معه ليست حربا أمنية فحسب، بل هي بالدرجة الأولى فكرية، فهؤلاء يقاتلوننا، لا لأنهم يعشقون القتال، ولا لأنهم ون من أمر ما، وإنما يسوقهم إلى قتالنا، مجموعة من الأفكار المتطرفة التي أصبحت عقائد لهم، وهم على أتم الاستعداد للتضحية بأرواحهم في سبيلها.
    لقد كان التيار المتطرف يريد - في مرحلة ما قبل اكتشاف الخلايا السبع - أن يقول: لماذا تضخمون الأمور ؟، هؤلاء الشباب مجرد مجموعات جاهلة، لم تفهم المنظومة التقليدية كما يجب، وهم مجرد أعداد قليلة، ضلت الطريق، ولا يعبرون عن روح المنظومة التقليدية، والدليل على ذلك انحسار الإرهاب كما ترون. التيار المتطرف يقول هذا الكلام، وهو يعلم أن مريديه متغلغلون في نسيجنا الثقافي والاجتماعي. لكنه كان يريد التخفيف من خطورة أفكار التطرف، ومن مستوى انتشارها؛ ليضمن لنفسه البقاء، بل والنماء. لقد كان ينتظر أن يتم تناسي الماسي التي تسبب بها طوال الفترة الماضية؛ ليعود من جديد لترتيب كوادره، ونشر أفكاره التي يهاجم بها - بلغة التكفير والتبديع والتفسيق - من لا يتفق معه في الرؤية المتطرفة للدين.
    إذن، جاءت هذه العملية التي اكتشفت فيها هذه الخلايا، في الوقت الذي كان التيار المتطرف، بدأ فيه مرحلة الهجوم، ولكن على حذر، فكانت تأكيدا ماديا مباشرا على أن الإرهاب ليس مجرد استثناء في المنظومة التقليدية، استثناء عابر وخارج؛ كما يزعمون. الخلايا الإرهابية التي تم اكتشافها - بضخامتها وخطورتها الفائقة - كانت تؤكد على أننا لا بد أن نعيد قراءة الأفكار المتشددة في واقعنا، وأن إجراء تغييرات جذرية في البنية الفكرية، لم يعد ترفا، بل لم يعد خياراً؛ لأن الخيار البديل هو الانتحار بإيديولوجيا الإرهاب.
    لقد كانوا يقولون: إنهم - أي الإرهابيين - مجرد أفراد، ولا يمكن مؤاخذة التيار المتشدد بأكمله لمجرد تطرف بعض أفراده، وحملهم السلاح. لكن، اتضح اليوم أنهم ليسوا مجرد أفراد، وإنما مجموعات ذات انتماء متمدد في عمق المنظومة التقليدية، وأن هؤلاء الأفراد من ورائهم تيار عريض، يمدهم بالغي وبالأموال الطائلة، بحيث يتمكنون من الصمود من جهة، والانبعاث الجديد من جهة أخرى.
    صحيح أن خطأ فرد أو أفراد، من جماعة ما، لا ينسب إلى عموم الجماعة. لكن، استماتة تلك الجماعة في الدفاع عن الأفكار التي تمثل إيديولوجيا التطرف لهؤلاء الأفراد، يعني أنهم شركاء في الجريمة. لا يمكن تبرئة الجماعة من عمل الأفراد؛ ما لم تقطع الجماعة - فكريا - مع هؤلاء الأفراد، وتعلن توبتها الصادقة والصريحة من مفردات المفاصلة التي يتكئ عليها الإرهابي، التي تتدرج به - لا محالة - إلى دركات التكفير؛ فيصبح قتال الأهل: فريضة غائبة!.
    يدعي التيار المتطرف أن الإرهابيين عددهم قليل، قياسا بعدد الإرهابيين من غير حملة السلاح، أو من المتشددين. وهذا تزييف متعمد؛ لصرف النظر عن طبيعة تكوّن الإرهابي. أنت تزرع عشرين أوثلاثين متطرفا؛ لتجني من هؤلاء إرهابيا واحدا. إذن، لولا هؤلاء لما كان هذا. ولا معنى لفصل هؤلاء المتطرفين عن التمظهر الإجرامي في صورة الإرهابي. الرصاصة القاتلة قبل أن تخترق الجسد، تمر بمراحل صناعية، وإعدادية للجريمة. وبدون هذه المراحل، لا يمكن للرصاصة أن تخترق الجسد. فتبرئة التيار المتطرف من الإرهاب المباشر، هي كتبرئة المسدس الذي تنطلق منه الرصاصة، أو اليد التي ضغطت على الزناد؛ لمجرد كونهما لم يخترقا الجسد، كما فعلت الرصاصة القاتلة.
    محاولات التبرئة، هي جزء من محاولات التهدئة، كاستعداد للهجوم على كافة التيارات التي لا تتبع تيار التطرف في محدداته العقائدية، ذات الطابع التكفيري الصريح أو الضمني. ولعل التخفيف من خطورة التيار المتطرف، ومن حجم حضوره - كماً وكيفاً، هو أحد أهم الوسائل التي يتوسل بها هذا التيار للخروج من حالة الحصار الرسمي والاجتماعي التي يمر بها.
    ما نراه الآن، هو أن التيار المتطرف وجد نفسه - بعد الاكتشاف الأخير - محاصرا، وأيقن أن ما انتهجه من مهادنة، ورفعه لشعارات ذات طابع تسامحي، لم يعد مجديا. لقد أيقن أنه في مرحلة: إما حياة وإما موت. لهذا بدا شرسا في مهاجمته لأعدائه، من مفكرين وإعلاميين. ولقد كان حظ الصحافة هو الحظ الأوفر من هذا العداء المتطرف؛ لأنها جمعت بين الفكرية والإعلامية، وكانت هي رأس الحربة في الحرب الفكرية على الإرهاب.
    لقد لا حظنا في هذه الأيام شدة الهجوم على الإعلام، وعلى الصحافة خاصة، كما لا حظنا الهجوم الجاهل والحاقد على الليبرالية المحلية؛ لمجرد أن الدور الأكبر في مكافحة أفكار التطرف قام به هؤلاء، ونجحوا - على حد ما - في فضح وتعرية أفكار التطرف؛ بينما فشل الآخرون، رغم كل محاولاتهم البائسة؛ لأنهم لا يمتلكون القدرة على نقض خطاب من أساسه. لقد كان هؤلاء الآخرون، يصطدمون بنقاط التقاء كثيرة، فيما بينهم وبين المتطرفين، ولا يختلفون معهم إلا في تفسير المفردة العقدية أو في تنزيلها على الواقع. وهذا ليس خلافا ملزما، فلا يستطيعون أن يلزموا المتطرفين بتفسيرهم للواقع ولا بتفسيرهم للمفردة العقائدية. بينما يستطيع المتطرفون أن يلزموهم بالمفردة مجردة من التفسير الخاص والسياق الخاص. اليوم نرى ما يمكن تسميته: موسم الهجوم على الليبرالية، على نحو يذكرنا بهجومهم في الثمانينيات على الحداثة. وهم يتوقعون أن تكون نتائج هذا الهجوم صورة من نتائج ذاك الهجوم الغفوي، الذي جنينا من جرائه كل هذا التطرف؛ نتيجة التسليم له فيما مضى. هذا ما يخص الليبرالية على وجه العموم. أما حقدهم الملتهب على الصحافة، فهو يؤكد أن الصحافة كانت تقوم بدور فاعل في تعرية الأفكار المتطرفة؛ في الوقت الذي تقاعست فيها جهات أخرى، إهمالا، أو تواطؤا غير مقصود؛ جراء الجهل بخطاب التطرف.

    محمد على المحمود / صحيفة الرياض

    الخميس 23/4/1428هـ

  • #2
    المحرِّضون


    مما يلفت النظر أن أعمار أكثر المنتسبين الآن إلى الفرق الإجرامية الخارجة على الوطن لا تتجاوز الخامسة والعشرين. ويعني هذا أن أغلبهم لم يشاركوا في حروب أفغانستان الأولى التي اندفعت إليها جموع العرب والسعوديين خاصة وابتلينا بنتائجها الكارثية التي لا تزال تتهددنا.
    ويعني هذا أن هؤلاء "الشباب" جنِّدوا في الداخل. ويشهد بنجاح هذا التجنيد تناسلُ هذه الفرق وتكاثر أعداد أفرادها مما يشي بأن هناك ذخيرة لا تنضب من هؤلاء الضحايا وأن هناك نشاطا مؤسسيا لاستدراجهم وتجنيدهم.
    ويتطلب القضاءُ على هذه الظاهرة الاعترافَ أولا بأن مسببات هذه المشكلة داخلية أساسا وأن الفكر المولد لها محلي.
    وللإسهام في كشف المؤثرات التي ينجم عنها انخراط "الشباب" في هذه الفرق أشير إلى أحد المصادر الرئيسة التي تعمل على تحريضهم ودفعهم إلى التطرف ومن ثم الالتحاق ـ في أغلب الأحيان ـ بها.
    فمن أهم المصادر التي تزيد من احتقان الوضع وتُشعِر "الشباب" بأن الدين في خطر أن بعض الذين يتوسلون بـ"الدعوة" أخذوا يصنفون المواطنين السعوديين إلى فرق يزعمون أنها معادية للدين وأهله وأن واجب "الشباب" التصدي لها.
    وليس بخاف على المتابع أن هناك عددا من "الدعاة" امتهنوا هذا التصنيف وتساهلوا في سوق التهم ضد بعض المواطنين الذين يخالفونهم الرأي في بعض القضايا الدينية والاجتماعية. وقد استمرأ هؤلاء التصنيف على الرغم من مخالفته لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله، وتحذيره من تمزيق مجتمعنا إلى فرق متناحرة.
    ويدخل هذا التصنيف في باب التحريض وإيجاد المسوغات للعنف. وقد وجه هؤلاء جهودهم التصنيفية ضد الكتّاب والمثقفين السعوديين الذين أخذوا في السنوات القليلة الماضية يعبرون عن آرائهم في بعض ما يُنظر إليه في الثقافة الدينية المحلية على أنه من "المسلمات" التي لا تحتمل إلا رأيا واحدا يمثله الرأي السائد في المملكة.
    وقد شن هؤلاء "الدعاة" حملات عنيفة على هؤلاء الكتاب وصنفوهم بـ "التغريبيين" و"اللبراليين" و"العلمانيين" و"المنافقين" و"أعداء الدين" و"أعداء الله"، إلى غير ذلك. وصوروا أن هؤلاء المثقفين لا يقصدون الخير لهذا الوطن، إنما يقصدون "تغريبه" وإشاعة الرذيلة فيه وانتهاك المقدسات الدينية.
    وتجاوز الأمر حدود المعقول ليصل إلى تهمة ظالمة لا يمل هؤلاء "الدعاة" من تكرارها تزعم أن الكتاب والمثقفين السعوديين يتلقون أوامرهم من السفارات الأجنبية ويأخذون أجورا مادية ومعنوية مقابل تلك الخيانة.
    ويدخل في هذا التحريض قيادةُ بعض "الدعاة" لجموع من "الشباب" إلى الفعاليات الثقافية التي تقام في أماكن رسمية بإذن رسمي. فيتقدمون الصفوف محفوفين بمريديهم من "الشباب" لـ"ينكروا" بطرق بعيدة عن حدود اللياقة على المشاركين في تلك الفعاليات. ثم يقوم "الشباب" تحت بصر هؤلاء بأخذ الأمر بأيديهم فيحطمون الممتلكات ويوقفون الفعاليات ويعتدون باللفظ واليد على المشاركين فيها. ثم يهب "الدعاة" إلى الدفاع عن مريديهم بالقول إنهم "شباب متحمس لم يرض أن يرى دينه يهان"!
    ومن الأمثلة القريبة على هذا التحريض أشير إلى مثالين حدثا في الأسبوع الماضي. الأول أن أحد "الدعاة" المعروفين بنشاطهم في "الإنكار" كان يتحدث في برنامج تلفازي عن الليبراليين. وقد خاض خوضا عجيبا في تعريف الليبرالية وضمَّن تعريفه لها كلَّ موبقة يعرفها وأطلق أحكاما صارمة في شتم من يصفهم بـ"الليبراليين"، وهو يقصد المثقفين السعوديين. وكان لا يسمح لمقدم البرنامج ال بالتدخل بل كان يستأثر بالحديث ويقطع حديثه بطريقة متغطرسة فجة.
    وقد اتصل بعض المنخرطين في التوجه نفسه ليضيفوا مزيدا من الشتائم والاتهامات الباطلة. وكان أكثرهم طرافة أستاذ جامعي ظل يردد في مداخلته أن هؤلاء "منافقون" وأنه يجب عليهم التوبة قبل أن يغرغروا.
    وكان الدكتور عبد الله الصبيح، الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أحد المداخلين. وحاول في مداخلته تصحيح بعض المفاهيم التي جاء بها المتحدث في تعريف "الليبرالية"، وحاول أن يجادل ضد التعميمات الظالمة التي تفوه بها. لكن المتحدث أخذ يقاطع الدكتور الصبيح ولم يتركه يكمل جملة من كلامه. وشارك مقدم الحلقة في المقاطعة وأنهى المداخلة سريعا بشكل غير مؤدب.
    والمثال الثاني ما حدث في برنامج تلفازي آخر شارك فيه بعض "الدعاة" الناشطين الذين عرفت عنهم الجرأة في كيل التهم جزافا ضد المثقفين السعوديين. وقد صبوا جام غضبهم على وزارة الثقافة والإعلام واتهموها بأنها تبعد الدعاة (ولا شك أنهم يقصدون أنفسهم!) والعلماء وأنها تنشر الرذيلة وتزين الخروج على الثوابت الإسلامية من خلال ما يعرض في التلفاز وما يكتب في الصحف من هجوم على العلماء وما يعرض في معارض الكتاب وغير ذلك من النشاطات.
    ومن الشواهد الأخرى برنامجان حواريان عرضا مساء الأحد الماضي ظهر فيهما بعض هؤلاء ليكرروا التهم نفسها ويشتكوا من أنهم ضحية للإقصاء ومنه "حرمانهم" من الكتابة في الصحف والظهور في القنوات التلفازية الوطنية. بل إن أحدهم فاق أقرانه بالادعاء أن الليبراليين يحاولون "التسلل" لإلغاء نظام الحكم والتآمر على الوطن.
    ومؤدى هذه التهم إشعار مريدي هؤلاء بأن هناك مؤامرة تهدف إلى "تغريب المجتمع" ووأد الفضيلة التي يزعمون أنهم حماتها وأنهم ضحايا لحصار مخطط يقصد إلى إقصائهم عن المشاركة في الدفاع عن الدين ضد الليبراليين "المنافقين".
    ويشهد بعدم صحة هذا الادعاء بالإقصاء أن هؤلاء يكتبون في الصحف السعودية وتتميز كتاباتهم بأنها من قبيل ما قالوه في تلك البرامج التلفازية.
    كما يشهد الواقع بأن المنابر المتاحة لهؤلاء تزيد عن المنابر المتاحة للكتاب والمثقفين.
    وخطر هذه الاتهامات الباطلة التي تكال من غير حساب أنها تحريض فعلي يزيد من احتقان الوضع وارتفاع وتيرة الغضب عند شريحة من صغار السن الذين يثقون بهؤلاء "الدعاة" ويصدقونهم ويتصرفون بما تقضي به اتهاماتهم.
    ومن المعلوم أن التكفير والتفجير مرحلتان متأخرتان تسبقهما خطوات عديدة في مسار التشدد والتزمت والغضب والتعصب وسوء الظن. ويمثل شحن عقول هؤلاء الشباب الغضة بهذه المواقف المتعصبة الأساسَ الأول في نشأة التطرف الذي يتطور من التطرف السلوكي إلى التطرف اللفظي ضد المخالفين ثم إلى أخذ الأمر باليد وينتهي ذلك إلى اليأس من إصلاح المجتمع مما يقود إلى اعتزاله ومناصبته العداء والتجنُّد في فرق التفجير والتدمير.
    وربما لا يفطن هؤلاء "الدعاة" إلى أن ما يبدأ كأنه عداء لشريحة من مواطنيهم يمكن أن ينتهي ليكون عداء للوطن ولحكومته الشرعية. ويتبين هذا من السلسلة المنطقية التي يمكن رسمها كالتالي: يبدأ "الإنكار" على الكتاب والمثقفين السعوديين بأشخاصهم، لكن هؤلاء الكتاب والمثقفين يكتبون ويتحدثون من على منابر تحت إشراف الدولة، لكن الدولة لا تفعل شيئا لإيقافهم عن اقتراف الموبقات التي يتهمون بها، ويعني هذا أن الدولة راضية عما يفعله هؤلاء. ثم ينتهي الأمر إلى نتيجته المنطقية وهي أنه مادامت الدولة لا تمنع هؤلاء فهذا يعني أنها هي المخطئة في حقيقة الأمر. ومن هنا فالواجب على "الشباب المتحمس" أن يوجه عداءه نحو الدولة التي لولاها لما تمكن هؤلاء المثقفون "المنافقون!" من التفوه بما يقولون.
    وللقضاء على هذا التحريض يجب على أولئك "الدعاة" إحسان الظن بمواطنيهم وألا يستمرؤوا كيل التهم الباطلة انتصارا للنفس، وليعلموا أن للآخرين حرمات نابعة من كونهم مسلمين مثلهم ومواطنين مثلهم وحريصين على هذا الكيان حرصا لا يقل عن حرصهم.
    والبديل الأوفق أن يدرِّب هؤلاء أنفسَهم على مناقشة الآراء المخالفة لما يرون بموضوعية تخفف من الاحتقان وتؤدي إلى حل المشكلات بطرق حضارية.
    وأسوأ الاتهامات التي يوجهها هؤلاء للمثقفين السعوديين هي الادعاء بأن لهم اتصالات مشبوهة ببعض السفارات الأجنبية وأنها تمولهم لكي يكتبوا ضد المملكة وسياستها وثقافتها ودينها.
    ولفظاعة هذه التهمة فإنني أدعو ـ من هذا المنبر ـ وزارة الداخلية الموقرة إلى استقصاء هذا الأمر عاجلا وأن تفتح تحقيقا رسميا في هذه الاتهامات التي أصبحت زادا يوميا للمحرضين. وسيكون هذا التحقيق فاصلا: فإما أن تثبت عمالة المثقفين السعوديين للسفارات الأجنبية بصورة رسمية فيعاقبوا على هذه الخيانة الوطنية وتعلن أسماؤهم على الملأ وإما أن تعلن الوزارة كذب هذا الافتراء فتتوقف الاتهامات الباطلة.
    إن استمرار هذا الجو المفعم بالاتهامات الباطلة كفيل بدوام الاحتقان الذي سيؤدي حتما إلى تضليل بعض صغار السن الأبرياء والتغرير بهم لينخرطوا في صفوف الخارجين على الوطن وتدمير مقدراته ونشر الفواجع بين الأمهات والآباء.
    وختاما فإن الواجب علينا جميعا أن نستشعر المسؤولية الوطنية التي تفرض علينا في هذه الظروف الدقيقة أن نعجل بوأد هذا التحريض الذي لا مسوغ له وأن نصرف جهودنا إلى ما هو أنفع لهذا الوطن العزيز وأنفع لصورة ديننا الحنيف وثقافتنا الغنية.

    حمزة المزيني / صحيفة الوطن السعودية

    الخميس 23/4/1428هـ

    التعليق


    • #3
      مشكور يا سحاب الجبل الله يعطيك العافية


      k:23

      التعليق


      • #4
        مقالات متعددة بدأت تظهر في الأيام القليلة الماضية تتحدث عن التطرف والإرهاب بكشل أكثر صراحة ووضوح مما تعودناه من تعمية وإنكار للإرهاب وأصوله المحلية والتي تشبه المزراع وإن كانت مزارع ليست لإنتاج الخضروات والفواكه ولكن لإنتاج الإرهاب والتطرف ونشره وتوزيعه محلياً وخارجياً لعقود طويلة من الزمن .

        ولعل هذا إستجابة لكلام الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية الذي أشار بوضوح لأول مرة إلى الدعم الداخلي الذي يحضى به الإرهاب والتطرف والتمويل الكبير الذي لا يمكن أن يكون بجهود شخصية من هؤلاء الإرهابيين الذين أغلبهم عاطلون لا وظائف ولا مهن لهم ودعوته الصريحة للوقوف ضد الإرهاب وعدم السكوت عنه أو التعاطف معه أو التبرير له أو إيجاد الأعذار والمبررات لمنفذيه ومنظريه .

        إن رفع القدسية والحصانة الخاصة التي يتمتع بها شيوخ التطرف في المملكة هي السبيل الوحيد لكشفه أمام الناس ولإبعاد عامة الناس وصغار السن عن الإغترار به ولعل سمو الأمير يسارع إن شاء الله في الخطوات الجريئة التي تحقق ذلك بالتصريح بمثل هذه المقالات وتوسيع هامش الحرية ومحاسبة كل دعاة التطرف والإرهاب تحت كل شعار .

        التعليق


        • #5
          وأسوأ الاتهامات التي يوجهها هؤلاء للمثقفين السعوديين هي الادعاء بأن لهم اتصالات مشبوهة ببعض السفارات الأجنبية وأنها تمولهم لكي يكتبوا ضد المملكة وسياستها وثقافتها ودينها.
          ولفظاعة هذه التهمة فإنني أدعو ـ من هذا المنبر ـ وزارة الداخلية الموقرة إلى استقصاء هذا الأمر عاجلا وأن تفتح تحقيقا رسميا في هذه الاتهامات التي أصبحت زادا يوميا للمحرضين. وسيكون هذا التحقيق فاصلا: فإما أن تثبت عمالة المثقفين السعوديين للسفارات الأجنبية بصورة رسمية فيعاقبوا على هذه الخيانة الوطنية وتعلن أسماؤهم على الملأ وإما أن تعلن الوزارة كذب هذا الافتراء فتتوقف الاتهامات الباطلة.
          إن استمرار هذا الجو المفعم بالاتهامات الباطلة كفيل بدوام الاحتقان الذي سيؤدي حتما إلى تضليل بعض صغار السن الأبرياء والتغرير بهم لينخرطوا في صفوف الخارجين على الوطن وتدمير مقدراته ونشر الفواجع بين الأمهات والآباء.
          وختاما فإن الواجب علينا جميعا أن نستشعر المسؤولية الوطنية التي تفرض علينا في هذه الظروف الدقيقة أن نعجل بوأد هذا التحريض الذي لا مسوغ له وأن نصرف جهودنا إلى ما هو أنفع لهذا الوطن العزيز وأنفع لصورة ديننا الحنيف وثقافتنا الغنية.

          التعليق


          • #6
            المشاركة الأصلية بواسطة الهداف
            مشكور يا سحاب الجبل الله يعطيك العافية



            k:23
            أهلاً وسهلاً بك .

            التعليق

            KJA_adsense_ad6

            Collapse
            جاري التنفيذ...
            X